المحاضرة الأولى : تعريف قانون الجمارك

يوجد في كل دولة قانون جمارك لأن له دور أساسي في تنظيم المسائل التجارية داخل الدولة و التبادلات التجارية بين الدول ، الأمر الذي يوحي بدوره الفعال في حماية الاقتصاد الوطني ، لذلك توالت التعريفات لهذا القانون منها من عرّفه بناءا على مميزاته و خصائصه و منها من بحسب مواضيعه و مشتملاته.

تعتبر التجارة أساس التعاملات الاقتصادية بين الدول و من ثمّ بات ضروريا تنظيمها بموجب قانون يحفظ قواعد و مبادئ التجارة الدولية و يحفظ سيادة الدولة و مصالحها الداخلية و هو الأمر الذي يجب تكرسه في سن نصوص قانون الجمارك الذي يناط به أساسا تنظيم التبادلات التجارية و بالمقابل حماية الاقتصاد الوطني و مبدأ سيادة الدولة فهو قانون اقتصادي مالي تظهر فيه مبادئ السيادة الوطنية .

في تعريف قانون الجمارك سنورد بعض التعريفات التي أعطيت له على الصعيد الدولي و على الصعيد الوطني ، فمن التعريفات الدولية على سبيل المثال لا الحصر عرفه بروتوكول تعديل الاتفاقية الآولية لتبسيط و تنسيق الأنظمة الجمركية المنعقد في كيوتو سنة 1973 بأنه " تلك الأحكام التشريعية و التنظيمية المتعلقة باستيرادأو التصدير أو إخراج أو تخزين بضاعة و التي تكون الجمارك مكلفة بإدارتها و تنفيذها إضافة إلى أية أنظمة تضعها الجمارك بموجب صلاحياتها القانونية"، و يعتبر هذا التعريف -حسب رأينا-ناقصا بحيث استخدم مجموعة أفعال حصرها بالذكر و ألحقها باختصاص الجمارك دون الأخذ في الحسبان ظهور أفعال أخرى قد لا تندرج ضمن الأفعال المذكورة و قد لا تقل خطورة لكن مرتكبها سيفلت من المحاسبة بسبب عدم ذكرها مما كان على البروتوكول التفطن إليه خاصة إذا تنبهنا الى تاريخ التعريف فهو يقترب من نصف القرن بينما التعاملات التجارية و المخالفات عرفت تطورا كبيرا في الطرق و الأساليب قد تتمثل في أفعال لا تشملها لتلك المذكورة في التعريف.

كما ورد تعريف لقانون الجمارك في اتفاقية التعاون الإداري المتبادل للوقاية من المخالفات الجمركية و البحث عنها و ردعها و هي الاتفاقية التي وقعت بتونس بين دول اتحاد المغرب العربي في 1994 بدولة تونس جاء فيه على الخصوص بأنه  " مجموع القوانين و الأنظمة المطبقة على الاتتيراد و التصدير و لو بصفة مؤقتة و على عبور أو تداول البضائع و رؤوس الأموال أو وسائل الأداء سواء تعلق الأمر بتحصيل أو ضمان أو رد الحقوق و الرسوم أو تطبيق إجراءات الحضر و القيود أو المراقبة أو أيضا بمكافحة التهريب و المخدرات و المؤثرات العقلية."

يلاحظ على هذا التعريف أنه جاء أشمل من سابقه باستعماله لعبارات و مصطلحات تحتمل أن تدخل ضمنها أفعال حتى إن لم تذكر بالتحديد مثل ذكره مصطلح "عبور "و "تداول" قد يكون العبور بصفة شرعية و قد يكون غبر مراكز المراقبة و قد يكون غير قانوني أو خارج نقاط المراقبة و قد يكون بأية طريقة أو وسيلة ، فعدم التضييق في استعمال المصطلحات يتيح للقاضي الفرصة في تطبيق النصوص على أفعال في مجال أوسع و هذا ما يطبع هذا التعريف.

أما على المستوى الوطني ، فالمعروف على المشرع الجزائري أنه لا يقدّم تعريفات للمصطلحات و هو ما لم يخرج عنه في قانون الجمارك الصادر في 21 جويلية 1979 بموجب القانون رقم 07/79 و الذي يعتبر أول قانون خاص ينظم الجمارك بحيث لم يعرّف المشرع الجزائري قانون الجمارك غير أنه تدارك الأمر في آخر تعديل لقانون الجمارك و الذي يعتبر تعديلا مهما جدا أحدث تغييرات جذرية في نصوصه سنتطرق إليها في حينها بحيث قدّم المشرع الجزائري في تعديل قانون الجمارك بموجب القانون 04/17 المؤرخ في 16/02/2017 تعريفا للتشريع الجمركي في الفقرة ك المستحدثة بموجب التعدبل لتضاف للمادة 5 منه بقوله " ك : القوانين و التنظيمات الجمركية : مجموع الأحكام التشريعية و التنظيمية التي تنظم العمل الجمركي بصفة عامة." و الملاحظ هنا أن المشرع الجزائري قدّم تعريفا فضفاضا و غير محدّد ربما خشية التضييق .

و بالمقابل نجد أن المشرع الجزائري في وقت سابق لما أصدر قانون خاص بمكافحة التهريب بموجب الأمر 06/05 المؤرخ في 23 أوت 2005 المعدّل و المتمم أعطى تعريفا أكثر وضوحا يظهر أنه مستوحى من الاتفاقيات الدولية جاء فيه حرفيا في الفقرة ي من المادة 2 منه "... ي: التشريع الجمركي : كل الأحكام التشريعية و التنظيمية التي تتكفل إدارة الجمارك بتطبيقها فيما يتعلق باستيراد و تصدير و مسافنة و عبور و تخزين و نقل البضائع بما فيها الأحكام التشريعية و التنظيمية المتعلقة بتدابير الحظر و التقييد و المراقبة و كذا التدابير المتعلقة بتبييض الأموال".

يلاحظ أن المشرع الجزائري كان أكثر دقة في تعريف قانون الجمارك في قانون مكافحة التهريب سنة 2005 منه في قانون الجمارك ذاته في 2017 ذلك أنه خاض تجربة اولى لم يسبق له فعلها و يظهر أنه لا بزال يخشى التعريفات و ما قد ينجر عنها من قيود للقاضي عند تطبيق النصوص