كانت معظم الأنشطة الانتاجية في نهاية القرن الثامن عشر تتمركز في المنازل وشيئا فشيئا تطورت الوحدات الانتاجية البسيطة لتتحول إلى مؤسسات صغيرة ومتوسطة ومن أهم ما ميزها هو أن المسير هو نفسه مالك المؤسسة إما بشكل مباشر أو بسبب انتمائه للعائلة المؤسسة لها .
ولم يهتم الكلاسيكيون في هذه الفترة بالمؤسسة ولا بدراسة سيرها ولا تنظيمها الداخلي ولا بعملية انشائها باستثناء بعض الاقتصاديين، حيث تعرضت أفكار هذا الاتجاه للانتقاد لإهمالها لدور المقاول وتأثيره في النشاط الاقتصادي من خلال مبدأ اليد الخفية الذي يقوم على أن نظام السوق هو الذي يتدخل لتحقيق حالة التوازن بين العرض والطلب، فقد رأى ادام سميث " A. Smith" بأن مهمة المقاول الاساسية تتمثل في تجميع رأس المال والسهر على السير الحسن لمشروعه حيث غرق بين كل من الاجر والريع وبين الربح العائد الذي يكسبه المقاول والذي يسعى لتعظيمه بأي شكل من الاشكال، ولقد عمل "L. Warlas" رائد من رواد النظرية النيوكلاسيكية على اختصار الظواهر الاقتصادية في نظام من المعادلات مهملا دور الفرد الذي اعتبره عنصرا خارجيا عن الظواهر الاقتصادية إلا أنه في الواقع هو العنصر المحوري في الانشطة الانتاجية من جهة والاستهلاكية من جهة أخرى .
ومع نهاية القرن التاسع عشر ونتيجة للثورة التكنولوجية الهائلة دخلت المؤسسات في عصر التكتلات والمؤسسات الكبيرة حيث تعرض الكثير من المنتجين الصغار للإفلاس، وفي سياق هذه التطورات انفصلت تدريجيا مهمة ادارة المؤسسة الكبيرة عن الفرد المالك لرأس المال إلى جهاز اداري مشترك مكون من أعضاء يمكنهم التأثير على القرارات المتخذة بدون أن يكونوا ملاك للمؤسسة، وخلا هذه الفترة أصبحت المؤسسة الكبيرة هي محور الدراسات الاقتصادية، وعلى رأس هذه الدراسات أعمال المدرسة التقليدية في الادارة من خلال روادها F .Taylor مؤسس مدرسة الادارة العلمية، بالاضافة إلى " H. Fayol" مؤلف كتاب " الادارة العامة والصناعة " سنة 1916 ، إضافة للعديد من الاعمال التي اتت بعدها كأعمال مدرسة العلاقات الانسانية وغيرها من المدارس الاخرى، وبالرغم من استمرار المؤسسات والمجموعات الصناعية والمالية الكبرى في الازدهار لا سيم بعد ظهور مبادئ حوكمة الشركات إلا أن ذلك لم يتسبب في الاختفاء الكلي للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة بل على العكس استطاعت هذه الاخيرة البقاء والاستمرارية ومن هنا بدأت الانتقادات الكثيرة توجه للمؤسسات الكبيرة وبدأ الاهتمام الفعلي بالمؤسسات الصغيرة والمتوسطة وتزايد عدد الدراسات التي عملت على توضيح خصائصها التي سمحت لها بالبقاء إلى جانب المؤسسات الكبيرة بل وحتى مكنتها من الصمود في وجه المنافسة الشرسة لها، ما سمح بعودة المقاولة لتحتل الصدارة بعد تسليم الباحثين المفكرين أخيرا بضرورة تشجيع عملية إنشاء المؤسسات الصغيرة، ومن خلال هذا المقياس سنحاول التطرق إلى المحاور التالية :
المحور الأول- التطور التاريخي لمفهوم المقاولتية.
المحور الثاني- مداخل المقاولتية.
المحور الثالث- المقاول.
المحور الرابع- أهمية المقاولة.
المحور الخامس- الابداع والابتكار كمحاور للمقاولتية .
المحور السادس- انشاء مؤسسة صغيرة.
المحور السابع- مخطط الأعمال.
المحور الثامن- المرافقة وحاضنات الأعمال.